مؤلفون وفنانون تشكيليون: الثقافة والفنون تعززان الوعي بصون البيئة
مؤلفون وفنانون تشكيليون: الثقافة والفنون تعززان الوعي بصون البيئة
أكد مؤلفون وفنانون تشكيليون أهمية الثقافة والفنون في تعزيز الوعي بصون البيئة، من خلال استلهام معالم الطبيعة واستخدام عناصرها كوسائط وأدوات في تجاربهم الإبداعية في فنون الكتابة والتأليف والفنون البصرية، منوهين بالتجربة القطرية في مجال الاستدامة.
وألقوا الضوء على تجاربهم في مجال توظيف الاستدامة، وانتماء هذه الممارسة لروح العصر وانسجامها مع منطق التطور والنهضة وفقا لوكالة الأنباء القطرية "قنا"
وبهذا الصدد، أكد الكاتب والمؤلف والمهندس المعماري إبراهيم محمد الجيدة، الحائز جائزة الدولة التقديرية، أن الثقافة والمعرفة تشكلان عاملين رئيسيين في حسن تعاملنا مع البيئة، فالمثقف هو إنسان واعٍ بكل ما حوله، ويسهم في نشر الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة واستدامتها، والفن هو وسيلة مهمة جدا في رفع مستوى الوعي العام وتوصيل رسائل فكرية توعوية عن أهمية الاستدامة وكيفية صون بيئتنا، ويعد الفن بمثابة عنصر تحفيزي ومحرك عاطفي يحث الناس لأخذ دور فعال نحو التغيرات البيئية وأهمية الحفاظ عليها، لافتا إلى أن هناك طرقا كثيرة للتعبير الفني عن القضايا البيئية والمناخية، منها الفنون البصرية والتي باستطاعتها تقديم صور حسية مؤثرة وملهمة تستمر عبر العصور.
وأردف: كما أن البيئة تشكل مصدرا ملهما للكثير من الفنانين الذين يسعون إلى تجديد علاقتنا بمحيطنا الطبيعي، بل وأصبح الفن البيئي منهجا مستقلا يعزز الجذور التقليدية والتراثية من خلال استخدام عناصر بيئية من المحيط الطبيعي وفق التنوعات الجغرافية والثقافية، حيث إن الأعمال الفنية البيئية عادة ما يستخدم فيها مواد طبيعية تتغير جماليا مع مرور الزمن ولديها القدرة على التحلل، ما يعزز ويؤكد ضرورة التزامنا بحماية البيئية لتحقيق استدامتها.
وقال المهندس الجيدة، مؤلف كتب "تاريخ العمارة القطرية" في عام 2010، و"التسع وتسعون قبة" في عام 2015، و"الطراز القطري" في عام 2019، و"اكتشاف الديكو العربي" في عام 2023: إن بيئتنا الصحراوية والساحلية بالإضافة إلى ثقافتنا وتراثنا لطالما كانت مصادر إلهام أساسية في تصاميمي المعمارية، خاصة في بداية مسيرتي المهنية، وإلى جانب ذلك شغفي لتدوين وتوثيق العمارة التقليدية في أول مؤلفاتي "تاريخ العمارة القطرية 1800-1950"، حيث يتناول الكتاب مجموعة كبيرة من مبان تم تدشينها من موارد بيئية من محيطنا وتعتبر أمثلة بارزة في كيفية تكيف العمارة قديما حسب احتياجات السكان ومواءمتها مع المناخ.
وأكد الجيدة أن المشروع المعماري الناجح في وقتنا الحاضر هو مشروع يطرح هذه الاحتياجات البيئية، ولذلك أسعى من خلال مشاريعي ومؤلفاتي إلى الاستفادة والتعلم من دروس أجدادنا في التعامل مع بيئتنا وتطوير بناء يحترم البيئة، وذي تنوع بصري يجمع بين الجماليات التقليدية والوظائف الحديثة لضمان استدامة بيئتنا وبالتالي استدامة مجتمعاتنا.
ومن جانبه، أكد الفنان التشكيلي الشيخ مبارك بن ناصر آل ثاني أن للفن دورا في صون البيئة والإرث الاجتماعي والثقافي، وتعزيز وجودها والحفاظ عليها من خلال الاستدامة، فالإبداع يرسخ معالم وتفاصيل الإنسان في المجتمع من خلال استلهامها ومعالجتها فنيا، ويعزز الوعي بقيمتها الثقافية والحضارية، لذلك يخلد الفن الأشياء والمعالم والشخصيات فتبقى في الذاكرة لمئات السنين.
وأوضح أن مسؤولية الفنان في المجتمع مرتبطة برسالة الفن في صناعة المعنى وترك أثر بناء من خلال بث رسائل إنسانية إيجابية، واستخدام وسائط ومواد صديقة للإنسان والبيئة والمجتمع.
وأشار الفنان الحاصل على درجة الماجستير في التخطيط الحضري من جامعة نيويورك بأمريكا، إلى أن مشروعه الفني والإبداعي يستلهم معالم المشهد الحضري ممثلة في جماليات العمارة وأبعادها الهندسية، وإعادة اكتشاف شخصية المدينة وتطورها عبر الزمن، والبحث عن المشترك الإنساني بين الناس، ممثلا في المعمار وأسلوب العيش والعلاقة مع الآخرين، لذلك يحرص على توثيق واستلهام معالم مدينة الدوحة في لوحاته، احتفاء بقيمتها المعنوية والثقافية والاجتماعية، فاللوحة بالنسبة له، عنصر من عناصر صون الذاكرة والمحافظة على الإرث وتوثيق التطور والنهضة.
وشدد الفنان الشيخ مبارك آل ثاني، على أن الهوية الثقافية القطرية هي مزيج من الماضي والحاضر، القديم والجديد، فقطر مكان للتعايش والتمازج بين الأصالة والحداثة، وهي رمز للتنوع والتطور والانفتاح على الحداثة في الوقت نفسه.. لذلك يحرص في أعماله الفنية، ومعارضه الفردية والجماعية، على التعبير عن هذا التمازج والتعايش والانفتاح، بأسلوب معاصر، وبتوظيف رمزية الألوان وقدرتها على التعبير عن التنوع والثراء في المشهد الحضري في لوحته، لإبراز هذا الإرث الذي يتمازج فيه الطراز القديم والاتجاهات الجديدة، وتكتسب كل العناصر من نوافذ وأبواب وأسطح وأعمدة وسقوف قيمتها ودلالتها الفنية والثقافية والجمالية.
وبدوره، أوضح الفنان التشكيلي عيسى الملا، أحد رواد الفن التشكيلي في قطر، أن الثقافة والفنون بأشكالهما المختلفة تساهمان في تشكيل شخصية الفرد وصورة المجتمع والتعبير عن الوجه الحضاري للإنسان والمجتمع، مؤكدا دورهما في تعزيز الاستدامة وصون البيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية وتعزيز وعي الناس بهما من خلال التعبير الفني.
وأشار إلى أن تجربته الإبداعية تحتفي بالتراث الثقافي للمجتمع القطري ورموزه الإبداعية وفنونه الشعبية في الماضي والحاضر، وذلك باستلهامها ومعالجتها من خلال فنون التكوين والتركيب، التي يستخدم فيها عناصر من البيئة مثل الحديد والخشب والأغراض والأشياء المهملة، من خلال إعادة التدوير، حيث يقوم بتحويل هذه العناصر المهملة إلى أعمال فنية، ذات مضامين إنسانية وثقافية وحضارية.
وقال إنه أنجز في هذا المجال مجسمات وأعمالا تركيبية عديدة تمثل تراث قطر وثقافتها وملامح من حاضرها، ومنها مجسمات ولوحات تركيبية من التراث البحري، ممثلا في المحامل التقليدية وسفن الغوص وأدواته، وأخرى من معالم البر وتراث البادية، مثل الخيام والأزياء وإكسسوارات الخيل والجمال وثقافة الصيد والصقور وفنون السدو التراثية، والآلات الموسيقية مثل العود والربابة، إلى جانب عناصر من ثقافة الطعام وأدوات الطبخ، وعناصر ذات دلالة في الحياة المعاصرة في ثقافة الأزياء والعمل والعمارة.
ودعا الملا إلى تعزيز الدعم المُرتجَى من المؤسسات والشركات في القطاع الخاص لمساندة جهود الدولة في تعزيز الاستدامة وصون البيئة، وتعميق الوعي بالمحافظة على الطبيعة، من خلال تبني مشاريع الفنانين ومجسماتهم التي تستوحي رموز التراث والثقافة والمجتمع، ودعم جهود الدولة في تزيين الساحات والمعالم والحدائق، بهذه المجسمات والأعمال التركيبية، ما يعكس الوجه الحضاري للدولة والمجتمع، معربا عن استعداده لتزويد الجهات المختلفة بالمجسمات التي تعكس هذا التراث العريق بكافة أشكاله، خاصة أن هذه الأعمال تجمع بين قيمة الفن والمنفعة للمجتمع من خلال الاستدامة واستخدام مواد صديقة للبيئة، واستخدام أسلوب إعادة التدوير للعناصر المهملة والاستفادة منها.
وشدد الفنان عيسى الملا، على أن هذه الأعمال التركيبية والمجسمات تغذي خيال الأجيال الجديدة بثقافتهم وتعرفهم على تراثهم الاجتماعي ورموزه المهمة، كما تجتذب زوار قطر وتطلعهم على ملامح أساسية من تراث المجتمع وثقافته، مجسدة بالفن والإبداع وبأساليب وصيغ معاصرة.